أباهر السقا
تهدف دراسة البنى التحتية للرعاية الصحية في فلسطين ابان حائحة كورونا الى تفحص حالة البنى التحتية المجتمعية غير الرسمية للرعاية الاجتماعية وممارسات التأقلم والتكيف خلال أزمة كرونا في الفترة الواقعة من آذار/مارس حتى ديسمبر/كانون أول 2020. تسلط هذه الدراسة الضوء على الممارسات اليومية التي أنتجتها المبادرات الاجتماعية الأهلية وغير الرسمية في فلسطين خلال فترة جائحة كورونا في مدينة رام الله كنموذج دراسي. وتحديداً محاولة فهم ممارسات الرعاية الصحية في الفضاءات الحضرية في فلسطين وداخل هذه البنى الحضرية لفهم آليات التفاعل للشبكات الاجتماعية والبنى التحتية للرعاية والعلاقة بين الفضاءات الاجتماعية والاحواز الحضرية في ظل الجائحة.
تكمن أهمية هذه الدراسة في أنها اعتمدت على بحث ميداني استخدم العديد من الطرائق البحثية كالمقابلات ومشاركة الطلاب بالبحث باعتبارهم عاشوا التجربة أنفسهم للذهاب بعيداً في فهم التجربة من خلال فحص أنماط عيش الناس في حيواتهم اليومية وممارساتهم الاجتماعية والاقتصادية وعلاقتها بنظم الرعاية والتكافل الاجتماعي في الاحواز الحضرية ورسم الخرائط لمبادرات الرعاية ابان الجائحة وخلفياتها وسياقاتها وفواعلها وتقديم قراءة سوسيولوجية بالإضافة الى دراسة كيفية تفاعل الهياكل الحضرية/ الاجتماعية/ الاقتصادية من خلال دراسة الأحياء السكنية والأسواق التجارية لفهم الآليات الاجتماعية و الاقتصادية للسكان خلال فترة الجائحة. وذلك عبر تتبع الممارسات الاجتماعية التي اعتاد عليها الناس عبر دراسة أثر ارثها المجتمعي وشبكاتها الاجتماعية المنغرسة في المجتمع.
عمل البحث على تحليل البيانات بطرق مختلفة عن: (نوعية الخدمات المقدمة، الجهات التي تقدم، فحص الكورونا؛ العلاج؛ أدوات الوقاية؛ المساعدة في الحجر الصحي؛ رعاية الاخرين؛ توفير المعلومات؛ إجراءات العزلة؛ مساعدة الناس في الحجر؛ تقديم العزاء، العلاقة مع الحجر الرسمي، حواجز المحبة، العمل، العمل عن بعد، الهجرة التنقل …الخ.) تظهر لنا هذه الدراسة أن كثيراً من ممارسات الرعاية اليومية الاجتماعية والصحية والاقتصادية ارتكزت بالأساس على إرث مجتمعي طويل متناقل بين الأجيال لقيم التضامن والتكافل الاجتماعي وذلك عبر شبكة علاقات اجتماعية وتناقل منظومة من القيم الاجتماعية التي اثبتت فعاليتها في وقت الازمة.
سياق البحث وتساؤلاته
في الخامس من آذار / مارس 2020، سجلت فلسطين أول حالة إصابة مؤكدة بفيروس الكورونا مثل نظيراتها في العالم؛ أجبر هذا فلسطين على الدخول في حالة إغلاق وحجر صحي شامل؛ كمحاولة للسيطرة على الفيروس وتبعاته في مجتمع هش يعاني من سياسات استعمارية ومن ترهل في بناه الصحية وضعف الرعاية الصحية والاجتماعية. تم تعطيل كل جوانب الحياة متضمنه المدراس والجامعات وشلت القطاعات الاقتصادية؛ عاشت مجموعات كبيرة من السكان تحت الخوف والشك واللايقين علاوة عن تضررها من نقص الضرورات المادية وسبل المجابهة للسيطرة على الفيروس. تم اختيار مدينة رام الله كنموذج للتحليل وذلك للمبررات التالية: أولاً لأن السلطة الفلسطينية فرضت بشكل أكثر صرامة سياسات إجراء الحجر الصحي و تم تثبيت حواجز بمدينة رام الله على نحو مغاير عما كانت عليه المدن والقرى الفلسطينية الأخرى؛ وتم توسيع الدراسة الى أحياء مدينة البيرة المجاورة وسوق الحسبة و حي الطيرة، ومخيمات المدينة.
منذ وقوع المجتمع الفلسطيني تحت تأثير الجائحة عمل الفلسطينيون على إنشاء مبادرات رعاية ومساعدة في المدن والقرى والمخيمات. شهدت الاحواز الحضرية العديد من هذه المبادرات لإعادة استخدامها وجعلها مساحات حامية للمرضى وعوائلهم، وكفضاءات جرى إعادة استخدامها وتشكيلها كفضاءات عامة بالمعنى الاجتماعي الرحب المفتوح للناس، كالمساجد ودور العبادة والملاعب، والقيام بمبادرات اجتماعية كإنشاء احياء أكثر خضرة، وانشاء لجان طوارئ أهلية على مستوى الاحياء، والانخراط بشكل طوعي في عمليات المساعدة والإغاثة ودفع فواتير الكهرباء وتوصيل المياه وتوفير الادوية والمواد الغذائية وتوزيعها على الاسر المحرومة وكذلك على الاسر المحجورة صحياً.
عملت هذه الدراسة على تسليط الضوء على التحديات المجتمعية القائمة في المجتمع الفلسطيني وآليات تعامل الأهالي مع الظروف القاسية التي اعتادوا العيش عليها. ودراسة أدوات صموده وتكيفه المقاوم وخاصة تلك الاشكال الغير مرئية للرعاية الاجتماعية وكذلك الممارسات الاجتماعية الغير مرئية في الحياة اليومية لمجتمع يعيش بشروط استعمارية تجعل العيش تحت التهديد والازمة والحاجة الى التضامن حاجة يومية اعتيادية ومألوفة وشكل من اشكال التكيف المقاوم والصمود والجلد.
سمح هذا البحث بعقد مقارنات بين فضاءات اجتماعية مغايرة بين فلسطين والمملكة المتحدة ومقارنة الأحياء والأحواز الحضرية والأسواق وأشكال التضامن الاجتماعي وأنماط الرعاية الأهلية. فاتحاً التساؤلات المعرفية والمنهجية عن علاقة الناس بالهياكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للرعاية الصحية والاجتماعية والتفكير حول هشاشتها وضعفها وفتح التساؤلات الكبرى عن السياسات الاجتماعية والاقتصادية والعدالة واللامساواة. ارتكز البحث على دراسة نظم الرعاية الاجتماعية الاقتصادية من خلال التعامل مع مواضيع الاعتماد المتبادل، والتداول، والمعاملة بالمثل، والهبة والهبة المقابلة، والتضامن والتشاركية والتبادلية والعلائقية لكن ليس على مستوى الخطابات، ولكن على مستوى الممارسات اليومية وفى واقع الحياة اليومية. كما انه فتح النقاشات حول العلاقة بين الاحياء وعلاقتها مع بعضها البعض، والعلاقة بين الفضاءات الحضرية والريف؛ وبين المدينة والمخيم؛ والعلاقة بين العمل والهجرة، وفحص أدوات الجذب والطرد، والهجرة الداخلية والعمالة. وكذلك على قراءة الشارع كمجتمع للدلالات وكنص لقراءة المتغير والثابت ودراسة اقتصاد اليومي في الشارع.
فتحت هذه الدراسة أيضاً التساؤلات حول آليات التوزيع اللاعادلة واللامساواة المكانية، العلاقة بين الولاءات وإدارة توزيع المساعدات، العلاقة بين الممارسات الاجتماعية وبين فواعل السلطة والجاه، أي على ما سمى في حينه بحواجز المحبة، والسماح بالمرور او عدمه، وبين تطبيق سياسات صارمة او عدم تطبيقها الخ. كما سمح البحث بعقد مقارنات بين حقب زمنية مختلفة وفحص أوجه الشبة والاختلاف بين الممارسات المختلفة وفهم الآليات والتمثلات والدلالات لهذه التبدلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والحيزية والفروقات بين المناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية والمناطق الخاصة للسلطات الإسرائيلية. كما أظهرت الصعوبات المزدوجة التي يواجهها المجتمع الفلسطيني فمن جهة أظهرت الدراسة أثر المنظومة الاستعمارية على هشاشة البنى الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع الفلسطيني وخاصة بيع شرائح العمال قوة عملهم في السوق الاستعماري، ومن جهة فشل السياسيات الاقتصادية والاجتماعية الصحية الفلسطينية وضعف قدرتها على ادارة المجتمع الفلسطيني في ظل الجائحة وعلى اعتماد جزء كبير من السكان على البنى الاهلية المنغرسة مجتمعياً لتعويض تراجع ضعف الحماية والرعاية الصحية والاجتماعية.
على هامش هذه الدراسة استفاد فريق البحث المكون من طلبة من جامعتي بيرزيت وجامعة لندن للاقتصاد والعلوم السياسة المنحدرين من تخصصات معرفية مختلفة (علم اجتماع، علم نفس اجتماعي، قانون، دراسات حضرية) من درجتي الماجستير والبكالوريوس بعقد ورشات تكوينية عن المنهجيات وإنتاج البحوث الكيفية والذهاب للميدان ورسم الخرائط والاشكال البيانية عن الحالات المدروسة والتفكير في أطر التحليل والمقاربات البحثية المختلفة ومدى ملاءمتها. عمل طلبة جامعة بيرزيت العشرة للذهاب الى الميدان ومعايشة المبحوثين وإجراء المقابلات المعمقة مع الناشطين المجتمعين، وأصحاب المبادرات المجتمعية؛ وكذلك والباحثين العارفين بالمجتمع الفلسطيني والذين لديهم دراسات او أبحاث عن الثيمات البحثية التي تعالجها الدراسة.
تكمن أهمية هذه الدراسة في أنها انطلقت من دراسة ميدانية ومن ورشات تكوينية لقراءة الجائحة من خلال التركيز على الفضاء المديني وعلاقته بالجائحة وعلاقة الناس مع الفضاءات وتبدل شكل العلاقات الاقتصادية والاجتماعية على نحو يقرئ الغير مرئي لجعله مرئياً.
This piece is part of a research project on Urbanity in the Time of Pandemic: A Study of Infrastructures of Care in Palestine during the Covid-19 Crisis, which is in collaboration with Birzeit University and part of the LSE Middle East Centre Academic Collaboration with Arab Universities Programme. Suzi Hall and Haneen Naamneh are co-principle investigators on this project with Abaher El-Sakka.
