إن الوحدة الوطنية المنبثقة عن ثورة 25 يناير في مصر باتت مهددة من خلال سلسلة من الاشتباكات بين المسيحيين والمسلمين. إليزابيث إسكندر، الباحثة لمؤسسة دينام الخيرية في قسم العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد، تبحث في جذور الاضطرابات الدينية الأخيرة.
كان الشعور بالأمل الذي نشأ في ميدان التحرير بالقاهرة خلال انتفاضة 25 يناير جلياً للعالم. وكان من المشاهد الأكثر إيجابية عرض الوحدة بين مختلف الطوائف الدينية المصرية.

وبينما الغالبية العظمى من المصريين مسلمون، فإن حوالي 10% منهم مسيحيون وأغلبيتهم ينتمون إلى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. وفي بلد حيث الدين له أثر واضح في الحياة العامة والسياسية، قاوم المحتجون محاولات إدخال الشعارات الدينية في سرديات ثورتهم.
كثيراً ما أكد المحتجون أنهم كانوا يتظاهرون بصفتهم مصريين لا مسلمين أو مسيحيين أو بهائيين أو ينتمون إلى أي مذهب آخر، ولكن لم كان من المهم التصريح بذلك؟ في الماضي كانت مصر عرضة لنوبات من العنف الطائفي والتعصب، لا سيما في فترات الاضطرابات السياسية والاجتماعية.
لقد تفاقم التوتر بين المسلمين والمسيحيين في النصف الأخير من عام 2010، فقبل مظاهرات «يوم الغضب» في 25 يناير ببضعة أسابيع قتل 21 شخصاً على الأقل في انفجار قنبلة خارج كنيسة في الإسكندرية في الساعات الأولى من صباح يوم السنة الجديدة.
وفي وسط التوتر منذ شهر يوليو الماضي امرأة من صعيد مصر تدعى كاميليا شحاتة، وهي زوجة قسيس يدعى أنها تركت منزلها واعتنقت الإسلام للتخلص من زواج غير سعيد إذ الحصول على الطلاق في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية صعب جداً، في حين يعد الزواج بين امرأة مسلمة ورجل مسيحي باطلا أصلا.
عثرت السلطات الحكومية على كاميليا شحاتة فنقلتها إلى عهدة سلطات الكنيسة، ثم ظهرت (كاميليا) أمام الكاميرا لتقول إنها لم تسلم. مع ذلك، زاد الجدل وفي ظل الانفلات الأمني والسياسي الذي خلفته استقالة الرئيس السابق حسني مبارك في يوم 11 فبراير، كثف السلفيون من تهديداتهم ضد الكنيسة ومن دعواتهم للإفراج عن كاميليا شحاتة.
في اليوم السابع من مايو، بعد ساعتين فقط من ظهور شحاتة برفقة زوجها وابنها على التلفزيون ثانية لنفي شائعة إسلامها، أحاطت مجموعة من المحتجين المسلمين كنيسة في حي إمبابة، أحد الأحياء الفقيرة بالقاهرة، رداً على شائعة بأن امرأة أخرى قد اعتنقت الإسلام وكانت محتجزة في الكنيسة.
استمر الحادث حوالي 10 ساعات وخلف 15 قتيلاً. ويدل التقرير الرسمي للمجلس القومي لحقوق الإنسان عن أعمال العنف في إمبابة على أن الجيش والشرطة كانا موجودين خلال الهجمات غير أنهما فشلا في التدخل إلا بعد إحراق كنيستين.
بناء على إفادات شهود عيان تم تدوينها في التقرير، كان هناك شيوخ إسلاميون تم جمعهم ونقلهم من مناطق مختلفة إلى حي إمبابة على متن عربات الشرطة. وجعلت تداعيات هذا الأمر المثيرة للقلق مجموعة من الخبراء في الشؤون المصرية وحقوق الأقليات الدينية إلى إصدار بيان للتنديد بالحادث.
تبين من الشعار الشهير «مسلمين مسيحيين كلنا مصريين» أن الجهود متظافرة للحفاظ على الوحدة خلال انتفاضة 25 يناير، كما أنه يشير إلى أن المواطنة المتساوية بصرف النظر عن الانتماء الديني أمر حاسم لمستقبل مصر.
مع ذلك توجد حكايات عميقة تظهر في الحياة الاجتماعية والسياسية، وفي المدارس والثقافة الشرعية تميز بين المواطنين المصريين على أساس الدين. وما دام الميل إلى استخدام الدين لخلق انقسامات بين المواطنين مستمراً، فإن إمكانية التعرض للعنف الديني ستضعف من قدرة مصر على حماية شعبها وتراثها المتنوع أو على تلبية متطلبات الثورة.