مايكل مايسون
نشرت الحكومة الإسرائيلية في شباط/ فبراير 2022 ’إجراءات جديدة لدخول وإقامة الأجانب في منطقة يهودا والسامرة‘ (التسمية الإسرائيلية للضفة الغربية المحتلة). هذا الإجراء الذي يدخل حيز التنفيذ اعتباراً من 20 أيار/ مايو 2022 ، يهدد الإستقلال والحرية الأكاديمية للجامعات الفلسطينية فهو يمنح سلطة الاحتلال العسكرية من خلال وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق (COGAT)، السلطة للتحكم في إختيار الأكاديميين والطلاب الأجانب الذين يزورون (أو يقيمون) في الضفة الغربية. يُطلب من المتقدمين للحصول على تصاريح، تقديم طلبات إلى مكتب التمثيل الإسرائيلي في بلدهم وقد يتم استدعاؤهم لإجراء مقابلة (هذا المطلب إلزامي للطلاب الأجانب). أما بالنسبة للحاصلين على تصريح، فوحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق (COGAT) لديها الصلاحيات للمطالبة بدفع “كفالة” (قد تصل أو تزيد عن 70,000 شيكل أي ما يعادل £16,500 جنية استرليني)، والتي يمكن مصادرتها في حال عدم الإمتثال لشروط التصريح.
و بالنسبة للأكاديميين الأجانب الذين يزورون الضفة الغربية أو يعملون فيها، تقوم الآن وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق (COGAT) بتحديد المؤهلات المناسبة وشروط التصاريح. و الملفت للنظر هو السلطة الممنوحة لـ COGAT لتحديد عدد “الباحثين المتميزين” الذين يمكن للجامعات الفلسطينية دعوتهم، و الموضوعات التي يمكن أن يحاضروا عنها. بموجب الإجراء الجديد، تم تحديد عدد 100 للمحاضرين الأجانب “في المجالات الضرورية” لقطاع التعليم العالي بأكمله في الضفة الغربية المحتلة (الملحق أ). و يقوم مسؤول من وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق (COGAT) بالتقرير إذا كان سيصدر تصريحاً في حال اعتبار أن المحاضر “يساهم بشكل كبير في التعلم الأكاديمي، أو في اقتصاد المنطقة، أو في تعزيز التعاون الإقليمي والسلام” (ص 32). كما تحد القوانين الجديدة مدة التعاقد التي يمكن للجامعات الفلسطينية تقديمها للأكاديميين الأجانب: بحيث لا تزيد عن 27 شهراً ولا تزيد في مجموعها عن خمس سنوات غير متتالية. وضّحت جامعة بيرزيت في بيان عام كيف سيمنع ذلك توظيف أعضاء هيئة التدريس الأجانب بشكل دائم وترقيتهم ، مما يؤثر سلباً على البرامج الأكاديمية والمشاريع البحثية التعاونية. و يؤدي هذا إلى تفاقم الموقف الذي تتعرض فيه الحرية الأكاديمية للاعتداء : من 2017 إلى 2019 أُجبر سبعة من أعضاء هيئة التدريس الأجانب في جامعة بيرزيت على المغادرة لأن إسرائيل رفضت تجديد تأشيراتهم. و مُنع في عام 2019 أكاديميان أجنبيان آخران كانا قد وقعّا عقود تدريس في جامعة بيرزيت من دخول إسرائيل.
و من المرجح أن يؤدي التغيير في الإجراءات إلى تقويض التعاون البحثي مع الجامعات الفلسطينية التي نجريها كمركزالشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد و العلوم السياسية LSE. قام باحثون من LSE على مدى السنوات الإحدى عشرة الماضية و كجزء من برنامج التعاون الأكاديمي مع الجامعات العربية (بتمويل من مؤسسة الإمارات)، بالتعاون مع زملائهم الفلسطينيين على تسعة مشاريع بحثية في مجال واسع من الموضوعات ، بما في ذلك الصحة العامة وتغير المناخ والمواقف تجاه الصراع / التعاون و نشرت المخرجات في مجلات أكاديمية محكّمة و رائدة ويتم أيضاً نشر النتائج (باللغتين الإنجليزية والعربية) لتوسيع نطاق الإستفادة.
إجراءات الدخول الجديدة ممكنه بموجب القانون الإسرائيلي 5756/1996 ، الذي ينفذ الاتفاقية المؤقتة لعام 1995 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية فيما يتعلق بالضفة الغربية وقطاع غزة (“أوسلو 2”). وبموجب المادة التاسعة عشرة من تلك الاتفاقية، يتعين على إسرائيل ممارسة سلطاتها مع إيلاء الاعتبار الواجب للمعايير والمبادئ المقبولة دولياً لحقوق الإنسان وسيادة القانون. حق التعليم كما ورد في المادة 13 من الاتفاقية الدولية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (ICESCR) يتضمن التزاماً للحصول على فرص متكافئة في التعليم العالي. ذكرت محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري لعام 2004 بشأن “جدار الفصل” الإسرائيلي أن إسرائيل كقوة احتلال، ملزمة بأحكام الاتفاقية الدولية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وعليها الالتزام بعدم عرقلة ممارسة هذه الحقوق في المجالات التي تم فيها نقل الاختصاص إلى السلطات الفلسطينية (مثل التعليم العالي).
و أشارت لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في تعليقاتها العامة على المادة 13 إلى أن استقلالية مؤسسات التعليم العالي ضرورية للحرية الأكاديمية.و تُعرَّف الاستقلالية بأنها “درجة الحكم الذاتي اللازمة لاتخاذ قرارات فعالة من قبل مؤسسات التعليم العالي فيما يتعلق بعملها الأكاديمي ومعاييرها وإدارتها والأنشطة ذات الصلة” (الفقرة 40). تعرضت الجامعات الفلسطينية في السنوات الأخيرة لعنف الاحتلال اليومي ، بما في ذلك عدد كبير من الطلاب الذين تعرضوا للاعتقال والاحتجاز العسكري المطول (إعتباراً من آذار/مارس 2022 هناك 55 طالب من جامعة بيرزيت رهن الاعتقال و/ أو الاحتجاز من قبل الجيش الإسرائيلي). ومع ذلك، فقد تمكنت هذه المؤسسات من تحقيق استقلالية كبيرة في شؤونها الأكاديمية.
لا تنطبق قوانين الدخول الجديدة على الأكاديميين الذين يزورون إسرائيل والضفة الغربية، والخاضعين لإجراءات سلطة السكان والهجرة عند المعابر الحدودية الدولية لإسرائيل. وتطبق الأعباء الإضافية على الأكاديميين الذين يزورون أو يعملون في الضفة الغربية بشكل حصري. من المؤكد أنه حتى الإجراءات المدنية المنفصلة يمكن أن تكون مضنية للطلاب و للأكاديميين الزائرين (وهذا أمر أعرفه من تجربتي الشخصية). تخلت جامعة واحدة على الأقل في المملكة المتحدة البريطانية عن ارسال طلاب اللغة العربية لممارستها في فلسطين كجزء من دراستهم و ذلك نتيجة لقرارات التأشيرة الاعتباطية، بما في ذلك رفض الدخول.
لقد قمت بتدريس طلاب فلسطينيين وقمت بتدريس طلاب إسرائيليين: إنهم متماثلون. جميعهم يشتركون في الرغبة في التعلم، والطموح إلى النمو الشخصي، و التطلع إلى أن يعاملوا بكرامة. أنا محظوظ للعمل في جامعة لديها الحرية لاستضافة أكاديميين وطلاب من جميع أنحاء العالم. فكلية لندن للاقتصاد و العلوم السياسية أيضاً تعزز التفكير النقدي بين مجتمعها العلمي: إن حرية قول الحقيقة للسلطة هي علامة على وجود مجتمع مفتوح. في المقابل، فإن الإرشادات الأورويلية لوحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق (COGAT) لا تقوم حتى بتسمية الإحتلال. و ليس لدى (COGAT) الشرعية لإتخاذ قرارات بشأن الجامعات الفلسطينية.
[This piece is available in English here.]