LSE - Small Logo
LSE - Small Logo

Sema Nassar

November 18th, 2020

ثغرات توثيق انتهاكات حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية في سوريا وسبل معالجتها

0 comments | 13 shares

Estimated reading time: 10 minutes

Sema Nassar

November 18th, 2020

ثغرات توثيق انتهاكات حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية في سوريا وسبل معالجتها

0 comments | 13 shares

Estimated reading time: 10 minutes

This blog is available to read in English.

سيما نصّار

EK McConnell, Bullet holes. Wall against which executions apparently took place while the fairground was occupied by Syrian forces up to 2006. Source: Flickr. CC BY-NC-ND 2.0.

 

تردّدت كثيراً عبارات الثناء والتقدير على العمل الرائع والجهود الاستثنائية، التي بذلها العديد من النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام داخل سوريا وخارجها، في توثيق الجرائم المرتكبة في سوريا في مراحل مبكرة من الصراع. وقد دفع غالبيتهم في البداية افتراضُ أن توثيق الانتهاكات وتسليط الضوء على الفظائع الجماعية سوف يمنع تكرار المجازر التي ارتكبت في ثمانينيات القرن الماضي، ويجبر الأطراف المتحاربة والمجتمع الدولي على وقفها.

ذلك ما افتُرض أن يكون، ولكن ما كان جاء مغايراً ومحبطاً بشكل كبير. بل إن ثمّة اعتقاد بأن استمرار انتشار مقاطع الفيديو المروعة وتكرار الروايات الصادمة عن انتهاكات القانون الدولي الإنساني، على مدار عقد كامل من الزمن، ربما يكون قد ساهم في تطبيعها.

لقد جعلت جهود التوثيق هذه من الحرب السورية الصراع الأكثر توثيقاً في التاريخ، كذلك فقد جعلت منه مثالاً صارخاً عن انهيار المعايير الدولية.

كل هذا لا يعني أن التوثيق لم يكن مهمّاً، إذ يبقى للتوثيق الدور الرئيس في دعم آليات العدالة الانتقالية وإنفاذها، القضائية منها وغير القضائية.

وبعد قرابة عشر سنوات من التوثيق المدفوع بافتراضات وتصوّرات بُنيت في مراحل مختلفة؛ كان لابد من التوقف لتقييم الجهود الجارية لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، وأثرها على مسار العدالة الانتقالية.

وهذا هو ما قمت به مع الزملاء في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، عبر إجراء مسح لجميع الجهود الدولية الحالية في التوثيق، وإجراء مقابلات موسَّعة مع 14 منظمة مجتمع مدني فاعلة في مجال التوثيق، لنخرج بورقة بحثية تسلّط الضوء على الثغرات الحالية في جهود التوثيق المبذولة من قبل الجهات الدولية والمجتمع المدني السوري، وتقترح سبل معالجتها من أجل بناء أساس متين لعملية العدالة الانتقالية المستقبلية، بطيفيها؛ العدالة الجزائية والإصلاحية.

بحسب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، فإن العدالة الانتقالية تتألف من الآليات القضائية وغير القضائية على حدّ سواء، بما في ذلك مبادرات الملاحقة القضائية، والجبر وتقصي الحقائق، والإصلاح المؤسسي، أو مزيج من ذلك. وأي مزيج يتم اختياره يجب أن يكون متوافقاً مع المعايير والالتزامات القانونية الدولية.

ويمكن أن تشمل العدالة الانتقالية أكتر من شكل للعدالة، مثل العدالة الجزائية (المحاكمات)، والعدالة التعويضية والتصحيحية والتحويلية (ضمانات عدم التكرار، والإصلاحات، والتعويضات).

وبحسب وحدة الدعم القانوني في البرنامج السوري للتطوير القانوني؛ فإن العدالة التصحيحية هي شكل بديل لمواجهة الجريمة، والتي يتم فيها التركيز على الضحية وعواقب الانتهاك عليها، بدلاً من التركيز على الفعل الإجرامي والجاني. ويعني ذلك أن الدولة يجب أن تعمل على الاعتراف بمعاناة الضحايا، وتعويضهم وجبر ضررهم، واستعادة كرامتهم، أكثر من معاقبة الجناة. أما الجناة فيجب على الدولة أن تعيد دمجهم في المجتمع في سبيل إعادة الروابط الاجتماعية. إن العدالة التصحيحية أو الإصلاحية تعتبر العقوبة الانتقامية غير كافية، لأنها لا تعطي معاناة الضحايا واحتياجاتهم الأهمية الكافية. وكذلك هي حال العدالة التصالحية، فهي لا تركز على تقييم ذنب الجاني، بل تركّز على تعزيز الآليات التي تجعله يدرك حجم الضرر الذي تسبب به وأبعاده، ويعترف بمسؤوليته عنه، وتدفعه لمحاولة إصلاحه.

ثغرات التوثيق لدى الجهات الدولية

استجابت الجهات الدولية لحقيقة أن سبل معالجة الفظائع المرتكبة في سوريا قد تم تقييدها بشكل مطلق منذ 2011، وقد أنتجت عبر سنوات الصراع نهجاً مبتكراً لجمع المعلومات والأدلة بطرق تمكّنها من دعم مسار العدالة الانتقالية في المستقبل، وضمان المساءلة والحد من الإفلات من العقاب.

وفي السنوات الأخيرة، أصبحت الجهود متوائمة وأكثر اتساقاً، ففي حين أنشأت الأمم المتحدة العديد من أدوات تقصي الحقائق ومنحتها تفويضاً بجمع الأدلة التي يمكن استخدامها في الملاحقات الجنائية؛ شهدت الملاحقات القضائية العالمية زيادة متنامية في ما يتعلق بالانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني. ويقوم عدد متزايد من الدول باستحداث وحدات وطنية متخصصة للتحقيق في مزاعم الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني، لمقاضاة مقترفيها وفق مبدأ الولاية القضائية العالمية. وذلك بالتوازي مع عمل المنظمات غير الحكومية بجمع الأدلة بشكل متزايد ومستمر، لاستخدامها في الملاحقات الجنائية، والضغط على السلطات الوطنية للمقاضاة على أساس الولاية القضائية العالمية.

وخلصت الورقة إلى وجود ثغرات وقيود كبيرة من منظور العدالة الانتقالية في هذه الجهود، من جهة تحديد الجهات المسؤولة عن ارتكاب كل تلك الانتهاكات الجسيمة. حيث تم إعطاء الأولوية بشكل كبير للجرائم التي ارتكبها النظام السوري وتنظيم داعش، في حين تم إهمال جناة رئيسيين آخرين كبعض الجماعات المقاتلة التي لم تُصنّف جماعات إرهابية، وبعض الجهات الخارجية التي تتواجد على الأراضي السورية، والمسؤولين عن توفير الدعم اللوجستي والمادي، والمحرضين على العديد من الجرائم الكبرى.

كما أن فائدة الوثائق التي تم جمعها وتنظيمها وتحليلها ستكون محدودة في مجال العدالة الإصلاحية والتصالحية، لأنه تم إعدادها أساساً لأغراض المساءلة الجنائية (المحاكمات).

وإذ كان النزوح المرتبط بالنزاع قد أدّى إلى خلق قرابة 11 مليون لاجئ ونازح؛ فإن الوصول إلى سبل الانتصاف والتعويض لانتهاكات الإسكان وسلب الأراضي والممتلكات (HLP) يشكل مصدر القلق الأكثر إلحاحاً بالنسبة للكثيرين منهم. وتشير دراسة حول “احتياجات العدالة للاجئين السوريين” في مخيمات الأردن ولبنان، إلى أنهم يتوقعون أن يكون تأمين السكن وإعادة ممتلكاتهم هو التحدي الرئيسي في حال عودتهم إلى سوريا، وتقدّر الدراسة نفسها أن عملية عودة اللاجئين ستنتج أكثر من 2.3 مليون نزاع سكني.

يتطلب تحديد حجم انتهاكات الإسكان في سوريا، المرتبطة بتدمير منازل المدنيين والبنية التحتية ومصادرة الأراضي والممتلكات وغيرها، جهوداً مستمرة في التوثيق، بهدف ردّ الحقوق في المستقبل، مع إيلاء اهتمام خاص بالعوائق التي تعترض قدرة النساء على ممارسة حقهن في إثبات الممتلكات ونقلها واستخدامها.

كما يتطلّب الأمر ذاته توثيق أنماط الانتهاكات، التي يجب عكس عبء إثباتها في عمليات التعويض ورد الحقوق في المستقبل، بما في ذلك الانتهاكات الناتجة عن التشريعات التي اعتُمدت خلال النزاع (على سبيل المثال: التشريعات التي تنصّ على مصادرة الممتلكات عند الإدانة بارتكاب جريمة تتعلق بالإرهاب)، والاتفاقيات التي أبرمتها الأطراف المتحاربة (على سبيل المثال: التهجير القسري وفقاً لما يسمى “اتفاقيات الإخلاء”).

وتمثّل هذه الأنواع وغيرها من أنشطة التوثيق المتعلقة بالجوانب الإصلاحية والتصالحية للعدالة الانتقالية؛ أهم الثغرات في جهود التوثيق التي تبذلها الجهات الدولية الفاعلة.

وماذا عن دور المجتمع المدني السوري؟

تؤثّر الثغرات السابقة في التوثيق على آفاق العدالة الانتقالية في سوريا بطرق ملموسة، ولكن هل يسعى المجتمع المدني السوري إلى سد هذه الثغرات؟

تُشير البيانات التي جمعناها خلال المقابلات مع مجموعات المجتمع المدني السوري المنشغلة بالتوثيق، إلى أنه وبينما توثّق هذه المجموعات انتهاكات حقوق الإنسان لمجموعة أوسع من آليات العدالة الانتقالية مقارنة مع الجهات الدولية؛ فإنها لا تسدّ الثغرات الموجودة لدى تلك الجهات.

وفي الوقت الذي تجعل فيه معظم المنظماتِ من العدالةَ الانتقالية هدفاً رئيساً؛ فإن أنشطتها التوثيقية تدعم جانباً واحداً أو أكثر فقط من جوانب العدالة الانتقالية، وتتجه جهود التوثيق الأكثر استدامة التي يبذلها المجتمع المدني السوري نحو المساءلة. وتولي اهتماماً بالعدالة التعويضية والتصالحية، لا سيما تخليد الذكرى والإصلاح المؤسسي، في حين تجتذب التعويضات ورد الحقوق المتعلقة بالسكن والأرض والملكية قدراً أقل من الاهتمام والموارد من المجتمع المدني.

وتبقى مجموعات المجتمع المدني ومنظماته أكثر انفتاحاً من غيرها من المؤسسات، على التكيّف مع احتياجات كل مرحلة. وقد قامت مؤخراً بعض هذه المنظمات بإعادة ضبط أنشطة التوثيق الخاصة بها حتى تتمكن من دعم خطوط العمل طويلة الأمد. وثمّة اعتراف بين مجموعات المجتمع المدني السوري بالحاجة إلى مواءمة أنشطة التوثيق لديها بشكل أوثق مع احتياجات الضحايا والمجتمعات المتضررة وأولوياتها، أكثر مما فعلت في الماضي. كما يسعى عدد من المبادرات إلى أن يكون صوتاً للضحايا وعائلاتهم، يتحدث باسمهم ويدافع عن حقوقهم. ويمثّل هذا التآزر فرصة مهمّة للمجتمع المدني لتبنّي نهجٍ يركّز على الضحايا بشكل أكبر للتوثيق، وهو أكثر اتساقاً مع الأبعاد الإصلاحية والتصالحية للعدالة الانتقالية.

تميّز نوعي لعمل المنظمات النسوية في التوثيق

زاوية أخرى يسلط الضوء عليها بحثنا، تتعلق بالنوع الاجتماعي. إذ تميل المنظمات النسوية والمنظمات التي تقودها النساء إلى أن تكون أكثر اهتماماً بالأبعاد الإصلاحية والتصالحية للعدالة الانتقالية، وأكثر فاعلية في دمجها في عملها.

وتقوم هذه المنظمات بالفعل بعمل مهم لمعالجة بعض التحيّزات الجنسانية الواضحة في الملاحقات الجنائية الجارية في أوروبا. على سبيل المثال، استخدمت هذه المنظمات وصولها إلى الضحايا والشهود والأدلة لضمان توسيع التحقيقات ولوائح الاتهام، لتشمل الجرائم التي تم تجاهلها سابقاً، والتي تنطوي على العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي.

إن تركيز هذه المجموعات على النّهج المرتكز على الضحايا، والذي يراعي الفوارق بين الجنسين، يمكن أن يقدّم مساهمات مهمة في عمليات العدالة الانتقالية المستقبلية، الهادفة إلى كشف الحقيقة، والتعويض، وإحياء ذكرى ضحايا الحرب المدنيين، والمصالحة، وعدم تكرار انتهاكات حقوق الإنسان.

التوصيات

تتطلب معالجة الثغرات التي خلصنا إليها جهوداً متواصلة، لإعادة التوازن إلى التوثيق والتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان الماضية والمستمرة في سوريا بعدة طرق. وهذه بعض التوصيات التي نقترحها لمعالجة هذه الثغرات:

1.

يتوجّب على هيئات الأمم المتحدة استكشاف سبل معالجة فجوات العدالة التعويضية والتصالحية، في جهودها المستمرة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا وتوثيقها، وذلك عن طريق إنشاء آلية منفصلة، أو عبر تكييف الآليات الموجودة أساساً.

2.

يتوجّب على بعثات تقصي الحقائق ولجان الأمم المتحدة للتحقيق، وكذلك المنظمات غير الحكومية الدولية معالجة فجوات المساءلة في جهودها المستمرة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا وتوثيقها، بما يتضمن تلك المتعلقة بدور الفاعلين الخارجيين في المساعدة، والتحريض على ارتكاب الانتهاكات الجسيمة.

3.

يتوجّب على المجتمع المدني السوري العمل على معالجة فجوات العدالة التعويضية والتصالحية في جهوده المستمرة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا وتوثيقها، بما يتضمن تلك المتعلقة بعمليات التعويض وردّ الحقوق المتعلقة بالسكن والأرض والملكية، والاستفادة من مساهمات المجموعات النسائية والنسوية وأوجه التآزر الناشئة مع مجموعات الضحايا.

4.

يتوجّب على المجموعات الناشطة في مجال حقوق المرأة زيادة التنسيق مع مجموعات التوثيق، والسعي الحثيث لدمج قضايا النوع الاجتماعي في أنشطتها قدر الإمكان.

5.

يتوجّب على المانحين تقديم الدعم المالي والتقني الكافي للجهات الفاعلة الدولية والمجتمع المدني السوري؛ لمعالجة الثغرات الحالية في التحقيق وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، المتعلقة بالمساءلة والعدالة التعويضية والتصالحية.

6.

يتوجّب على المانحين توفير الموارد الكافية، لدعم أنشطة المجتمع المدني التوثيقية الهادفة لدعم مسار العدالة الانتقالية بكافة أطيافها، ومنح الأولوية للمجموعات النسوية والمجموعات التي تقودها النساء، وتشجيع الأنشطة التي تعزز المساواة بين الجنسين.

7.

يتوجّب على المجتمع المدني السوري والجهات الفاعلة الدولية والدول التي تتبنى النهج ذاته، تقييم الجهود والممارسات الإيجابية الناجحة، كالدعاوى القضائية التي رفعت في أوروبا، لاستخدامها كمحفّز للتوثيق الفعّال، والسعي لتكرار هذه النجاحات في عمليات العدالة التعويضية في المستقبل.

 


Note: The CRP blogs gives the views of the author, not the position of the Conflict Research Programme, the London School of Economics and Political Science, nor the UK Government.

About the author

Sema Nassar

Sema Nassar is the co-founder of Urnammu for Justice and Human Rights and the “WE” network, a framework to create a safe environment for women human rights defenders in the MENA region.

Posted In: Syria

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *